كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ التِّرْمِذِيَّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمَّا خَلَقَ اللهُ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَجَعَلَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ وَبِيصًا مِنْ نُورٍ ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّتِكَ، فَرَأَى رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَعْجَبَهُ وَبِيصُ عَيْنَيْهِ قَالَ: أَيْ رَبِّ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ آخَرِ الْأُمَمِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ يُقَالُ لَهُ دَاوُدُ. قَالَ: رَبِّ وَكَمْ جَعَلَتْ عُمُرَهُ؟ قَالَ: سِتِّينَ سَنَةً. قَالَ: أَيْ رَبِّ قَدْ وَهَبْتُ لَهُ مِنْ عُمُرِي أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَلَمَّا انْقَضَى عُمَرُ آدَمَ جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ قَالَ: أَوَلَمْ يَبْقَ مِنْ عُمُرِي أَرْبَعُونَ سَنَةً؟، قَالَ: أَوَلَمْ تُعْطِهَا ابْنَكَ دَاوُدَ؟ قَالَ: فَجَحَدَ آدَمُ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَنَسِيَ آدَمُ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتَهُ، وَخَطِئَ آدَمُ فَخَطِئَتْ ذُرِّيَّتُهُ ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ بِهِ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ حَدِيثِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ إِلَى أَنْ قَالَ: «ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ فَقَالَ: يَا آدَمُ هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّتُكَ، وَإِذَا فِيهِمُ الْأَجْذَمُ وَالْأَبْرَصُ وَالْأَعْمَى وَأَنْوَاعُ الْأَسْقَامِ فَقَالَ آدَمُ: يَا رَبِّ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا بِذُرِّيَّتِي؟ قَالَ كَيْ تُذْكَرَ نِعْمَتِي. وَقَالَ آدَمُ: يَا رَبِّ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَرَاهُمْ أَظْهَرَ النَّاسِ نُورًا؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءُ يَا آدَمُ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ» ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ دَاوُدَ كَنَحْوِ مَا تَقَدَمَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ قَتَادَةَ النَّضْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ابْتَدِأُ الْأَعْمَالَ أَمْ قَدْ قُضِيَ الْقَضَاءُ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَخَذَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ثُمَّ أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ أَفَاضَ بِهِمْ فِي كَفَّيْهِ ثُمَّ قَالَ هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّةِ وَهَؤُلَاءِ فِي النَّارِ، فَأَهْلُ الْجَنَّةِ مُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ مُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ» رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرْقٍ عَنْهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ رَوَى جَعْفَرُ بْنُ الزُّبَيْرِ- وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ وَقَضَى الْقَضِيَّةَ أَخَذَ أَهْلَ الْيَمِينِ بِيَمِينِهِ، وَأَهْلَ الشِّمَالِ بِشَمَالِهِ، فَقَالَ يَا أَصْحَابَ الْيَمِينِ. فَقَالُوا: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى: ثُمَّ خَلَطَ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ قَائِلٌ لَهُ: يَا رَبِّ لِمَ خَلَطْتَ بَيْنَهُمْ؟ قَالَ: لَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ أَنْ يَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، ثُمَّ رَدَّهُمْ فِي صُلْبِ آدَمَ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ.
أَثَرٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الْآيَاتِ. قَالَ: فَجَمَعَهُمْ لَهُ يَوْمَئِذٍ جَمِيعًا مَا هُوَ كَائِنٌ مِنْهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَجَعَلَهُمْ فِي صُوَرِهِمْ ثُمَّ اسْتَنْطَقَهُمْ فَتَكَلَّمُوا، وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى الْآيَةَ. قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ، وَأُشْهِدُ عَلَيْكُمْ أَبَاكُمْ آدَمَ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمْ نَعْلَمْ بِهَذَا، اعْلَمُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرِي، وَلَا رَبَّ غَيْرِي، وَلَا تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا، وَإِنِّي سَأُرْسِلُ لَكُمْ رُسُلًا لِيُنْذِرُوكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي، وَأُنْزِلُ عَلَيْكُمْ كُتُبِي، قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ رَبُّنَا وَإِلَهُنَا لَا رَبَّ لَنَا غَيْرُكَ فَأَقَرُّوا لَهُ يَوْمَئِذٍ بِالطَّاعَةِ، وَرَفَعَ أَبَاهُمْ آدَمُ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ فَرَأَى فِيهِمُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ وَحَسَنَ الصُّورَةِ وَدُونَ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا رَبِّ لَوْ سَوَّيْتَ بَيْنَ عِبَادِكَ، قَالَ: إِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أُشْكَرَ. وَرَأَى فِيهِمُ الْأَنْبِيَاءَ مِثْلَ السُّرُجِ عَلَيْهِمُ النُّورُ وَخَصُّوا بِمِيثَاقٍ آخَرَ مِنَ الرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ فَهُوَ الَّذِي يَقُولُ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ} (33: 7) الْآيَةَ. وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ} (30: 30) الْآيَةَ. وَمِنْ ذَلِكَ قَالَ: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} (53: 56) وَمِنْ ذَلِكَ قَالَ: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ} (7: 102) الْآيَةَ. رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي تَفَاسِيرِهِمْ مِنْ رِوَايَةٍ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ بِهِ، وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ سِيَاقَاتٌ تُوَافِقُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ اكْتَفَيْنَا بِإِيرَادِهَا عَنِ التَّطْوِيلِ فِي تِلْكَ الْآثَارِ كُلِّهَا وَبِاللهِ الْمُسْتَعَانُ.
فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ اسْتَخْرَجَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنْ صُلْبِهِ وَمَيَّزَ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ، وَأَمَّا الْإِشْهَادُ عَلَيْهِمْ هُنَاكَ بِأَنَّهُ رَبُّهُمْ فَمَا هُوَ إِلَّا فِي حَدِيثِ كُلْثُومِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمَا مَوْقُوفَانِ لَا مَرْفُوعَانِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ قَائِلُونَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْإِشْهَادِ إِنَّمَا هُوَ فَطْرُهُمْ عَلَى التَّوْحِيدِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشَعِيِّ، وَمِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سُرَيْعٍ، وَقَدْ فَسَّرَ الْحَسَنُ الْآيَةَ بِذَلِكَ قَالُوا وَلِهَذَا قَالَ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} وَلَمْ يَقُلْ مِنْ آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ، وَلَمْ يَقُلْ مَنْ ظَهْرِ ذُرِّيَّاتِهِمْ أَيْ: جَعَلَ نَسْلَهُمْ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وَقَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ} (6: 165) وَقَالَ: {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} (27: 62) وَقَالَ: {كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} (6: 133) ثُمَّ قَالَ: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} أَيْ أَوَجَدَهُمْ شَاهِدِينَ بِذَلِكَ قَائِلِينَ لَهُ حَالًا وَقَالَا. وَالشَّهَادَةُ تَارَةً تَكُونُ بِالْقَوْلِ كَقَوْلِهِ: {قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا} (6: 130) الْآيَةَ. وَتَارَةً تَكُونُ حَالًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} (9: 17) أَيْ: حَالُهُمْ شَاهِدٌ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، لَا أَنَّهُمْ قَائِلُونَ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} (100: 7) كَمَا أَنَّ السُّؤَالَ تَارَةً يَكُونُ بِالْقَالِ، وَتَارَةً يَكُونُ بِالْحَالِ، كَقَوْلِهِ: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} (14: 34) قَالُوا: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِشْهَادَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فِي الْإِشْرَاكِ، فَلَوْ كَانَ قَدْ وَقَعَ هَذَا كَمَا قَالَهُ مَنْ قَالَ لَكَانَ كُلُّ أَحَدٍ يَذْكُرُهُ؛ لِيُكُونَ حُجَّةً عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ: إِخْبَارُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِهِ كَافٍ فِي وُجُودِهِ، فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمُكَذِّبِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُكَذِّبُونَ بِجَمِيعِ مَا جَاءَتْهُمْ بِهِ الرُّسُلُ مِنْ هَذَا وَغَيْرِهِ، وَهَذَا جُعِلَ حُجَّةً مُسْتَقِلَّةً عَلَيْهِمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْفِطْرَةُ الَّتِي فُطِرُوا عَلَيْهَا مِنَ الْإِقْرَارِ بِالتَّوْحِيدِ، وَلِهَذَا قَالَ: {أَنْ تَقُولُوا} أَيْ: لِئَلَّا تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَيْ: عَنِ التَّوْحِيدِ غَافِلِينَ: {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا} الْآيَةَ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ كَثِيرٍ.
وَقَدْ بَسَطَ الْعَلَامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الرُّوحِ فِي سِيَاقِ الْبَحْثِ فِي خَلْقِ الْأَرْوَاحِ قَبْلَ الْأَجْسَادِ- فَذَكَرَ الرِّوَايَاتِ الْمَرْفُوعَةَ وَالْمَوْقُوفَةَ وَالْآثَارَ فِيهَا وَمَا قِيلَ مِنَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فِي أَسَانِيدِهَا ثُمَّ قَالَ: وَهَاهُنَا أَرْبَعُ مَقَامَاتٍ:
(أَحَدُهَا) أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ اسْتَخْرَجَ صُوَرَهُمْ وَأَمْثَالَهُمْ، فَمَيَّزَ شَقِيَّهُمْ وَسَعِيدَهُمْ وَمُعَافَاهُمْ مِنْ مُبْتَلَاهُمْ.
(وَالثَّانِي) أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَقَامَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ حِينَئِذٍ، وَأَشْهَدَهُمْ بِرُبُوبِيَّتِهِ، وَاسْتَشْهَدَ عَلَيْهِمْ مَلَائِكَتَهُ.
(الثَّالِثُ) أَنَّ هَذَا هُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}.
(الرَّابِعُ) أَنَّهُ أَقَرَّ تِلْكَ الْأَرْوَاحَ كُلَّهَا بَعْدَ إِخْرَاجِهَا بِمَكَانٍ وَفَرَاغٍ مِنْ خَلْقِهَا، وَإِنَّمَا يَتَجَدَّدُ كُلَّ وَقْتِ إِرْسَالِ جُمْلَةٍ مِنْهَا بَعْدَ جُمْلَةٍ إِلَى أَبْدَانِهَا.
(فَأَمَّا الْمَقَامُ الْأَوَّلُ) فَالْآثَارُ مُتَظَاهِرَةٌ بِهِ مَرْفُوعَةً وَمَوْقُوفَةً. (وَأَمَّا الْمَقَامُ الثَّانِي) فَإِنَّمَا أَخَذَهُ مَنْ أَخَذَهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ الْآيَةِ وَظَنُّوا أَنَّهُ تَفْسِيرُهَا، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَثَرِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ اللهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ لِأَمْثَالِ الذَّرِّ الَّتِي أَخْرَجَهَا فَهْمًا تَعْقِلُ بِهِ كَمَا قَالَ: قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ (27: 18) وَقَدْ سَخَّرَ مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ تُسَبِّحُ مَعَهُ وَالطَّيْرَ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَكُبَرَاءِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ اللهَ أَخْرَجَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنْ صُلْبِهِ وَأَصْلَابِ أَوْلَادِهِ وَهُمْ فِي صُوَرِ الذَّرِّ، فَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ أَنَّهُ خَالِقُهُمْ، وَأَنَّهُمْ مَصْنُوعُونَ فَاعْتَرَفُوا بِذَلِكَ وَقَبِلُوا، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ رَكَّبَ فِيهِمْ عُقُولًا عَرَفُوا بِهَا مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ كَمَا جَعَلَ لِلْجَبَلِ عَقْلًا حِينَ خُوطِبَ، وَكَمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِالْبَعِيرِ لَمَّا سَجَدَ، وَالنَّخْلَةِ الَّتِي سَمِعَتْ وَانْقَادَتْ حِينَ دُعِيَتْ.
وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: لَيْسَ بَيْنَ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ مَسَحَ ظَهْرَ آدَمَ فَأَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّتَهُ» وَبَيْنَ الْآيَةِ اخْتِلَافٌ بِحَمْدِ اللهِ؛ لِأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَخَذَهُمْ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ فَقَدْ أَخَذَهُمْ مِنْ ظُهُورِ ذُرِّيَّتِهِ؛ لِأَنَّ ذُرِّيَّةَ آدَمَ ذَرِّيَّةٌ لِذَرِّيَّتِهِ، بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} أَيْ: عَنِ الْمِيثَاقِ الْمَأْخُوذِ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ شُهُودًا عَلَيْهِمْ بِأَخْذِ الْمِيثَاقِ. قَالَ: وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ: اشْهَدُوا فَقَالُوا: شَهِدْنَا. قَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمِيثَاقَ إِنَّمَا أُخِذَ عَلَى الْأَرْوَاحِ دُونَ الْأَجْسَادِ؛ لِأَنَّ الْأَرْوَاحَ هِيَ الَّتِي تَعْقِلُ وَتَفْهَمُ، وَلَهَا الثَّوَابُ وَعَلَيْهَا الْعِقَابُ، وَالْأَجْسَادُ أَمْوَاتٌ لَا تَعْقِلُ وَلَا تَفْهَمُ. قَالَ: وَكَانَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ إِسْحَاقُ: وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهَا الْأَرْوَاحُ قَبْلَ الْأَجْسَادِ اسْتَنْطَقَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ، قَالَ الْجُرْجَانِيُّ: وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} (3: 169) وَالْأَجْسَادُ قَدْ بَلِيَتْ، وَضَلَّتْ فِي الْأَرْضِ، وَالْأَرْوَاحُ تُرْزَقُ وَتَفْرَحُ، وَهِيَ الَّتِي تَلَذُّ وَتَأْلَمُ، وَتَفْرَحُ وَتَحْزَنُ وَتَعْرِفُ وَتُنْكِرُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي الْأَحْلَامِ مَوْجُودٌ، إِنَّ الْإِنْسَانَ يُصْبِحُ وَأَثَرَ لَذَّةِ الْفَرَحِ وَأَلَمِ الْحُزْنِ بَاقٍ فِي نَفْسِهِ مِمَّا تُلَاقِي الرُّوحُ دُونَ الْجَسَدِ.
قَالَ: وَحَاصِلُ الْفَائِدَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَثْبَتَ الْحُجَّةَ عَلَى كُلِّ مَنْفُوسٍ مِمَّنْ يُبَلَّغُ، وَمِمَّنْ لَمْ يُبَلِّغْ بِالْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ، وَزَادَ عَلَى مَنْ بُلِّغَ مِنْهُمُ الْحَجَّةَ بِالْآيَاتِ وَالدَّلَائِلِ الَّتِي نَصَبَهَا فِي نَفْسِهِ وَفِي الْعَالِمِ وَبِالرُّسُلِ الْمُنْفَذَةِ إِلَيْهِمْ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَبِالْمَوَاعِظِ بِالْمُثُلَاتِ الْمَنْقُولَةِ إِلَيْهِمْ أَخْبَارُهَا، غَيْرَ أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُطَالِبُ أَحَدًا مِنْهُمْ مِنَ الطَّاعَةِ إِلَّا بِقَدْرِ مَا لَزِمَهُ مِنَ الْحُجَّةِ، وَرَكَّبَ فِيهِمْ مِنَ الْقُدْرَةِ، وَآتَاهُمْ مِنَ الْأَدِلَّةِ. وَبَيَّنَ سُبْحَانِهِ مَا هُوَ عَامِلٌ فِي الْبَالِغِينَ الَّذِينَ أَدْرَكُوا الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَحَجَبَ عَنَّا عِلْمَ مَا قَدَّرَهُ فِي غَيْرِ الْبَالِغِينَ، إِلَّا أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ عَدْلٌ لَا يَجُورُ فِي حُكْمِهِ، وَحَكِيمٌ لَا تَفَاوُتَ فِي صُنْعِهِ، وَقَادِرٌ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.
فَصْلٌ:
وَنَازَعَ هَؤُلَاءِ غَيْرُهُمْ فِي كَوْنٍ هَذَا مَعْنَى الْآيَةِ، وَقَالُوا مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} أَيْ: أَخْرَجَهُمْ وَأَنْشَأَهُمْ بَعْدَ أَنْ كَانُوا نُطَفًا فِي أَصْلَابِ الْآبَاءِ إِلَى الدُّنْيَا عَلَى تَرْتِيبِهِمْ فِي الْوُجُودِ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُ رَبُّهُمْ بِمَا أَظْهَرَ لَهُمْ مِنْ آيَاتِهِ وَبَرَاهِينِهِ الَّتِي تَضْطَرُّهُمْ إِلَى أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ خَالِقُهُمْ، فَلَيْسَ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَفِيهِ مِنْ صَنْعَةِ رَبِّهِ مَا يَشْهَدُ عَلَى أَنَّهُ بَارِيهِ، وَنَافِذُ الْحُكْمِ فِيهِ، فَلَمَّا عَرَفُوا ذَلِكَ وَدَعَاهُمْ كُلُّ مَا يَرَوْنَ وَيُشَاهِدُونَ إِلَى التَّصْدِيقِ بِهِ كَانُوا بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِينَ وَالْمُشْهَدَيْنِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِصِحَّتِهِ. كَمَا قَالَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ: {شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} (9: 17) يُرِيدُهُمْ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِينَ، وَإِنْ لَمْ يَقُولُوا نَحْنُ كَفَرَةٌ، وَكَمَا تَقُولُ: قَدْ شَهِدَتْ جَوَارِحِي بِقَوْلِكَ، تُرِيدُ: قَدْ عَرَفَتْهُ، فَكَأَنَّ جَوَارِحِي لَوِ اسْتُشْهِدَتْ وَفِي وُسْعِهَا أَنْ تَنْطِقَ لَشَهِدَتْ، وَمِنْ هَذَا إِعْلَامُهُ وَتَبْيِينُهُ أَيْضًا {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} (3: 18) يُرِيدُ: أَعْلَمَ وَبَيَّنَ فَأَشْبَهَ ذَلِكَ شَهَادَةَ مَنْ شَهِدَ عِنْدَ الْحُكَّامِ وَغَيْرِهِمْ. هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ. وَزَادَ الْجُرْجَانِيُّ بَيَانًا لِهَذَا الْقَوْلِ فَقَالَ حَاكِيًا عَنْ أَصْحَابِهِ: إِنَّ اللهَ لَمَّا خَلَقَ الْخَلْقَ وَنَفَذَ عِلْمُهُ فِيهِمْ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، وَمَا لَمْ يَكُنْ بَعْدُ مِمَّا هُوَ كَائِنٌ كَالْكَائِنِ إِذْ عَلِمَهُ بِكَوْنِهِ مَانِعٌ مِنْ غَيْرِ كَوْنِهِ نَابِعٌ فِي مَجَازِ الْعَرَبِيَّةِ أَنْ يُوضَعَ مَا هُوَ مُنْتَظَرٌ بَعْدُ- مِمَّا لَمْ يَقَعْ بَعْدُ- مَوْقِعَ الْوَاقِعِ، لَسَبْقِ عِلْمِهِ بِوُقُوعِهِ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ} (7: 50) {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} (7: 44)- {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ} (7: 48) قَالَ: فَيَكُونُ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ: وَإِذْ يَأْخُذُ رَبُّكَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} أَيْ: وَيُشْهِدُهُمْ بِمَا رَكَّبَهُ فِيهِمْ مِنَ الْعَقْلِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْفَهْمُ، وَيَجِبُ بِهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ وَكُلُّ مَنْ وُلِدَ وَبَلَغَ الْحِنْثَ، وَعَقَلَ الضُّرَّ وَالنَّفْعَ، وَفَهِمَ الْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ، وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ، صَارَ كَأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَخَذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقَ فِي التَّوْحِيدِ بِمَا رَكَّبَ فِيهِ مِنَ الْعَقْلِ، وَأَرَاهُ مِنَ الْآيَاتِ وَالدَّلَائِلِ عَلَى حُدُوثِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ خَلَقَ نَفْسَهُ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فَلابد لَهُ مِنْ خَالِقٍ هُوَ غَيْرُهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ، وَلَيْسَ مِنْ مَخْلُوقٍ يَبْلُغُ هَذَا الْمَبْلَغَ، وَلَمْ يَقْدَحْ فِيهِ مَانِعٌ مَنْ فَهْمٍ إِلَّا إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ يَفْزَعُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَيُشِيرُ إِلَيْهَا بِإِصْبَعِهِ عِلْمًا مِنْهُ بِأَنَّ خَالِقَهُ تَعَالَى فَوْقَهُ، وَإِذَا كَانَ الْعَقْلُ الَّذِي مِنْهُ الْفَهْمُ وَالْإِفْهَامُ مُؤَدِّيًا إِلَى مَعْرِفَةِ مَا ذَكَرْنَا وَدَالًّا عَلَيْهِ، فَكُلُّ مَنْ بَلَغَ هَذَا الْمَبْلَغَ فَقَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، إِذْ جَعَلَ فِيهِ السَّبَبَ وَالْأَدِلَّةَ اللَّذَيْنِ بِهِمَا يُؤْخَذُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ، وَجَائِزٌ أَنْ يُقَالَ لَهُ قَدْ أَقَرَّ وَأَذْعَنَ وَأَسْلَمَ كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} (13: 15) قَالَ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَنْتَبِهَ.